إصابة الجنين أو الوليد بالالتهابات قد تكون جرثومية أو فيروسية ، وهي توهن كل جسمه ، وتصله هذه الإصابة من خلال الحبل السرِّي ، وهو جنين قابع داخل رحم أمه ، أو حين مروره بالقناة التناسلية أثناء الولادة ، أو قد تهاجمه الالتهابات بسبب جرح نافذ – أي جرح الحبل السري أو جرح الطهور – وبالتالي نلفت الأم إلى ضرورة الاعتناء بالقناة التناسلية والحرص على النظافة التامة طوال مدة الحمل .
إن مناعة الوليد الجديد الذاتية ضعيفة بشكل عام لأن أجهزة هذه المناعة لا تتطوّر في جسمه بعد الولادة ، أمَّا المناعة التي وصلته مما في دم أمه من العناصر المناعية فهي غير كافية ، ولا تقيه إلا من بعض الأمراض البسيطة ، وهذا يوضح أهمية عدم تعرض الوليد لما يسبِّب له الالتهابات والمرض ، وبالتالي أهمية اعتناء الأم البالغ بنظافة مكان الطفل وكل ما يحيط به من سريره ، وغرفته ، وشراشفه ، وثيابه وغيرها .
وعندما تكون الأم في المستشفى ويؤتى إليها بطفلها لترضعه ، عليها أن تمنع كثرة التحركات من حوله ، وانتقاله من يد إلى يد ، وتمنع أحداً من تقبيله ، وقبل أن ترضعه عليها بالتأكد من كونها غسلت يديها وصدرها أو المصَّاصة بالصابون المعقم ، فعلى الأم أن تعلم أن أفضل وسيلة لتطوير مناعة الطفل هي إرضاعه ، أي مَدهُ بالعناصر الوقائية المنتقلة إليه عبر حليبها ، لذلك يعتبر الأخِصّائيون أن امتناع الأم عن الإرضاع هو خطأ كبير إلا إذا كان السبب طبيّاً .
أما الوسيلة الثانية لزيادة هذه المناعة وحماية الوليد من الأمراض الخطيرة التي تهدِّد حياته فهي اللقاح ، وتعتبر مرحلة اللقاحات إحدى أهمُّ المحطات الصحيَّة في حياة الطفل والولد ، فعلى الأم تقع مسؤولية حصول الطفل على اللقاحات اللازمة في الوقت المناسب ، فتوفِّر عليه مخاطر قد تجعله معوقاً طوال عمره ، أو تودي بحياته وتوفِّر على نفسها الندم بعد فوات الأوان .
اللقاح :
اللقاح كلمة عامة تعني : حثُّ الجسم على تشكيل مناعة ذاتية ضد العناصر الممرضة والأمراض التي قد تصيب الطفل ، وصنِّفت كالآتي : شديدة الخطر ، وخطرة ، والشديدة الخطر كالسِلِّ والتيتانس ( كزاز ) ، وشلل الأطفال ، والجدري ، والشاهوق ، والحميراء ، والخناق ، ويعتبر اللقاح ضد هذه كلِّها إجبارياً .
أما الأمراض الخطرة كالتهاب السحايا ، والكوليرا ، والتيفوئيد ، والحمَّى الصفراء ، والكَلَب ، فيتم تلقيح الطفل ضدَّها في حال الضرورة ، أي في حال انتشار وبائي في البيئة المحيطة ، أو إصابة واحد من المقرَّبين ، أو في حال السفر والانتقال إلى مناطق قد تكون موبوءة .
واللقاح قد يعطي الجسم جراثيم مضعفة مخبرياً ، أو ميتة ، أو سموم الجراثيم ، وكلها تحثُّ جهاز المناعة على تكوين العناصر المناعية الذاتية الجاهزة والقادرة على مهاجمة أسباب المرض لدى دخولها الجسم .
ويستغرق تكوُّن المناعة نتيجة للقاح الجرثومي أسبوعين أو ثلاثة بحسب كل لقاح ، وقد يعطى الجسم أمصالاً تحوي مواد مانعة يتمُّ الحصول عليها من دم الحيوانات ، كالحصان مثلاً ، فيلقح الحصان بالجراثيم ، وتؤخذ العناصر المناعية من دمه ، ونتيجة للقاح المصل تحصل المناعة على الفور .
وإليك قائمة باللقاحات المهمة والضرورية التي يعتبر إهمالها جريمة في بعض الدول المتقدمة ، وتقاضي الأهل بسبب هذا الإهمال ، ولابد لك من معرفة مستلزمات كل لقاح ، وطرق ومراحل تنفيذه ، وتطبيق كل ذلك بدقة وفي الوقت المحدَّد ، وإلا اعتبر الطفل غير ملقَّح ، وبالتالي فاقداً للمناعة .
7 – ( 4 – 6 ) سنوات ( قبيل المدرسة ) : دفتيريا ، وشلل .
8 – ( 14 – 16 ) : دفتيريا ، وكزاز .
9 – بعد كل عشرة سنوات : دفتيريا ، وشلل .
وأما الأولاد الذين لم يتلقوا لقاحاً :
1 – عمرهم لا يتجاوز السبع سنوات : يعطى لهم في البداية : دفتيريا ، وكزاز ، وشلل الأطفال .
2 – بعد شهر واحد : الحصبة ، وأبو كعب ، والحميراء .
3 – بعد شهرين : اللقاح الثلاثي .
4 – بعد ( 4 ) أشهر : دفتيريا ، وكزاز ، وشلل أطفال .
5 – بعد ( 6 – 12 ) شهراً وقبيل دخول المدرسة : دفتيريا ، وكزاز ، وشلل أطفال .
6 – بعد سنتين : انفلونزا .
7 – بين ( 14 – 16 ) سنة : اللقاح الثنائي : دفتيريا ، وكزاز .
8 – مرة كل عشر سنوات : اللقاح الثنائي : دفتيريا ، وكزاز .
وأما الأولاد الذين تجاوزوا السبع سنوات :
1 – لم يتعدوا الثماني عشرة سنة ، يعطى لهم في البداية : دفتيريا ، وكزاز ، وشلل الأطفال .
2 – بعد شهر : الحصبة ، وأبو كعب ، والحميراء .
3 – بعد شهرين : كزاز ، ودفتيريا ، وشلل الأطفال .
4 – بين ( 6 – 12 ) شهراً : كزاز ، ودفتيريا ، وشلل الأطفال .
5 – بين ( 14 – 16 ) سنة : كزاز ، ودفتيريا .
6 – ومرة كل عشرة سنوات : كزاز ، ودفتيريا .
وأما إذا كان العمر ( 18 ) عاماً أو أكثر ، ولم يلقح الولد في طفولته هناك لقاح خاص يتألف من فيروسات مقتولة ، ويدرس برنامج اللقاح لمثل هذه الحالات مع الطبيب .
اللقاحات الضرورية :
أولها : اللقاح الثلاثي ( D . T . P ) :
ويحقن في العضل ، هو لقاح مضاد للكزاز ، ودفتيريا ، والشاهوق ، ويتألَّف هذا اللقاح من جراثيم مضعَّفة أو سمومها ، ويُعطى بثلاث حقنات بفارق زمني بين الحقنة والأخرى يبلغ أربعة أسابيع ، وتُعطى الحقنة الأولى ما بين الشهر الثالث والرابع من عمر الوليد ، بعد الحقنات الثلاث تؤمن الوقاية للطفل مدة عامين فقط ، ولابد من إعطاء الطفل حقنة داعمة بعد عام .
ويجب إعادة تلقيح الطفل في سن السادسة والثانية عشرة بلقاح ثنائي ضد الدفتيريا والكزاز ، ثم إعطاءه حقنة داعمة ضد الكزاز كل ست إلى ثماني سنوات ، أما اللقاح الثلاثي فيتضمن :
اللقاح الأول :
وهو المضاد للشاهوق ، وهو يعطي مناعة غير كاملة ، فقد يُصاب الولد بالمرض بعد أن يُلقَّح ، لكن الإصابة تأتي خفيفة ، والشاهوق هو أحد الأمراض القاتلة للأطفال في عمر مبكِّر ، لذلك يجب تلقيح الطفل قبل بلوغه شهره الثالث بلقاح الشاهوق من ضمن اللقاح الثلاثي .
ثم يعطى جرعة داعمة من لقاح الشاهوق وحده بعد خمسة أشهر ، ثم بعد ثلاث سنوات من اللقاح الأول .
اللقاح الثاني :
وهو المضاد للدفتيريا ، والمؤلَّف من سموم الجراثيم المضعفة مخبرياً ، ويعطى بأربع حقن : الحقنة الأولى مع اللقاح الثلاثي في الشهر الثالث ، ثم جرعة داعمة بعد ثمانية أشهر ، ثم عند بلوغ الولد عامه السادس ، وأخيراً عند بلوغه الثانية عشرة من عمره .
اللقاح الثالث :
وهو المضاد للكزاز ، والمؤلَّف من جراثيم مضعفة ، وهو يمنح الجسم مناعة تدوم عدة سنوات ، وتتشكل هذه المناعة تدريجاً ، ولا تصل إلى درجة الوقاية التامة إلا بعد الحقنة الثانية ، وتحتاج إلى جرعات داعمة بعد خمسة عشر شهراً ، وبعد ( 3 ) سنوات ، وبعد ( 12 ) سنة .
وجراثيم الكزاز موجودة على الأرض ، وفي حال تعرُّض الطفل لجرح ناتج عن احتكاك جلده بالتراب أو المعادن ، ينصح الأطباء بإعطائه مصلاً مضاداً للكزاز دعماً لمناعته ، حتى ولو كان ملقَّحاً .
ثانيها : لقاح شلل الأطفال :
ويتألف من ثلاثة أنواع من الفيروس المضعفة ، تقاوم أنواع الشلل الثلاثة ، ويعطى اللقاح بشكل نقاط في الفم ، ويستوجب هذا أن يأخذه الطفل بعد انتهائه من الأكل بثلاث ساعات على الأقل ، حتى لا يتفاعل الفيروس مع بقايا الطعام في فم الطفل ، ولتسريع امتصاص الجسم للقاح يعطى اللقاح على عدة جرعات تتمُّ في الشهر الثاني ، والرابع ، والسادس ، والثامن عشر من عمر الطفل ، ويعطى الولد جرعة داعمة عند دخوله المدرسة ما بين الرابعة والسادسة من عمره .
ثالثها : اللقاح ضد الحصبة :
وهو عبارة عن فيروس حي مضعف ، ويعطى للطفل عندما يبلغ السنة من عمره ، لأنه قبل هذا التاريخ يكون مكتفياً بالمناعة التي اكتسبها من أمِّه ، وبالرغم من كون المعالجة الطبيَّة لهذا المرض أصبحت متيسِّرة ، يُنصح بإعطاء اللقاح لأنه يقي المصاب بالحصبة من المضاعفات ، خصوصاً منها التهاب الدماغ .
رابعها : اللقاح ضد جدري الماء :
ولا يُعطى للأطفال إلا في حالات جداً استثنائية ، ومن خطر هذا المرض يكمن في كونه يصيب الحوامل ، فيُصاب الجنين داخل رحم أمِّه بتشويهات خطيرة ، ولذلك يعطى هذا اللقاح للفتيات البالغات الثانية عشرة ، أو الثالثة عشرة ، واللواتي لم يصبن بجدري الماء في صغرهن .
وزرع العلماء فيروس الجدري في أنسجة كلية السعدان ، وأضعفوه مخبرياً ، واستعملوه لقاحاً ، ويعطى هذا اللقاح بحقنة واحدة ويؤمن وقاية تدوم ما بين ست أو سبع سنوات .
خامسها : اللقاح ضد الجدري :
وهو فيروس مرض ( الفاكسين ) ، يولِّد ردَّة فعل مرضيَّة غير خطرة ، ويضمن الوقاية ضد الجدري ، وهذا اللقاح إجباري ، ويعطى للطفل ما بين بلوغه عامه الأول والثاني ، لأن خطر الاشتراكات المرضية غير موجود في هذه المرحلة .
وبالنسبة إلى الأطفال الضعفاء البنية يستحسن تأخير موعد اللقاح ، كما يستحسن عدم إعطاء هذا اللقاح في طقس شديد الحرارة ، وأيضاً أثناء تفشِّي أي وباء مرضي ، ويضع الطبيب نقطة من اللقاح على جلد الطفل ويغرز فيها حقنة .
وردَّة فعل الجسم على اللقاح تبدأ بعد ثلاثة أيام ، فتظهر بقعة حمراء مكان اللقاح ، وتزداد تورُّماً واحمراراً حتى اليوم التاسع ، وقد لا تظهر على الطفل عوارض الوهن والانزعاج ، أو قد تظهر هذه العوارض ويرافقها ارتفاع في الحرارة وفقدان للشهية ، وعلى الأمِّ أن تمنع الطفل من حكِّ مكان اللقاح ، وعليها ألاَّ تغسل الطفل حتى تزول العوارض الناتجة عن اللقاح .
وإذا حصل وتمدَّد الالتهاب الناتج عن اللقاح ، وارتفعت حرارة الطفل ارتفاعاً كبيراً ، ودامت الأعراض لأكثر من عشرة أيام ، فمن الأفضل أن يعرض الطفل على الطبيب .
وأخيراً ، إذا لم تَتْبع اللقاح أيُّ ردَّة فعل فهذا لا يعتبر ضمانة لاكتساب الطفل الوقاية اللازمة ، وقد يعني أن اللقاح المعطى إليه فاقد فعاليته ، أو أنه لم يتسرَّب عبر الجلد إلى الدم ، وفي هذه الحالة لابد من تكرار تلقيح الطفل .
نصائح مهمة :
قبل تلقيح الطفل لابد من التقيد بالنصائح التالية :
1 – عدم تلقيح الطفل المصاب بالأنفلونزا ، أو الكريب ، أو أي مرض آخر ، يجب أن يكون جسم الطفل سليماً تماماً عندما يلقَّح .
2 – عدم تلقيح الطفل أثناء مرحلة التسنين ، أي : مرحلة ظهور أسنانه .
3 – عدم تلقيح الطفل المصاب بحرارة مرتفعة قبل معالجة الحرارة وزوالها .
4 – عدم تلقيح طفل مصاب بمرض كلوي ، يعرف عادة بزيادة الزلال في البول ، لأن اللقاح يتسبب بتفاقم الإصابة .
5 – عدم تلقيح طفل مصاب بالأكزيما قبل معالجة هذا المرض .
وبعد تلقيح الطفل قد يصاب بالأعراض الآتية :
1 – ارتفاع في درجة الحرارة ، ويدوم بضعة أيام بحسب نوع اللقاح ، وتعالج الحرارة بالتحاميل أو النقاط التي يصفها الطبيب لمثل هذه الحالات .
2 – تحجُّر أو ورم مكان اللقاح ، وقد يدوم مدة طويلة لكنه لا يستدعي القلق .
3 – الشعور بالتوعك ووهن الجسم ، ويزول هذا الشعور بعد تناول أدوية خفيفة يصفها الطبيب .