فقد جاءت رسالة الإسلام تحمل الهداية والصلاح للناس في الدنيا والآخرة بما تضمنته من المبادئ الربانية والتشريعات الإلهية الهادية إلي سواء السبيل .
ومن أهم هذه المبادئ قيام نظرة الإسلام إلي الإنسان علي الاحترام والتكريم (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ) [الإسراء : 70] وما تبع ذلك من تسخير موجودات الكون لخدمة هذا الإنسان ومن جعل التقوي معيار التمايز بين البشر دون الفروق الخلقية والعضوية واللونية والعرقية وغيرها . ومن هنا جاء اهتمام الإسلام ورعايته الخاصة ببعض فئات المجتمع البشري ممن يحتاجون إلي توفير مزيد من الحقوق والإعفاء من بعض الواجبات ليحصل بذلك التوازن والتكافؤ بين معطيات وإمكانيات كل إنسان وقدراته فيعيش جميع أفراد المجتمع حياة كريمة سواء في ذلك من هو ذو مرة سوي ومن هو مصاب ذو ضعف طارئ أو أصلي . ولذلك كانت رعاية أهل البلاء أو ذوي الحاجات الخاصة في الإسلام ترتكز علي البعد الإنساني في جميع جوانبه .
وقد جاء هذا البحث الموسوم بـ ” أهلية المعوق للتكليف بالأحكام الشرعية ” مساهمة متواضعة في الدلالة علي رعاية الإسلام لذوي الحاجات الخاصة وإبراز بعض صور هذه الرعاية والاهتمام والتفرد في تشريع الأحكام الخاصة بهم والسبق في ذلك مما يؤكد صلاحية هذه الشريعة وقابليتها للتطبيق في كل زمان ومكان , وقد جعلت البحث في مقدمة وأربعة مباحث وخاتمة , وأرجو أن أكون قد وفقت في عرض قضية هي الأصل في بناء تشريع الأ؛كام والالتزام بها وتنفيذها , وهي قضية أهلية المعوق للتكليف بالأحكام . ولست أدعي بأنني قد جئت بجديد في الشريعة وما هذا إلا لأن الشريعة الإسلامية صالحة لكل زمان ومكان , فهي الشريعة الكاملة الشاملة (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً) ومن ثم فإن دوري يكاد ينحصر في الكشف عن جانب من جوانب هذه الشريعة السمحة من خلال الحديث عن فئة من الناس وما اختصتها به من الأحكام مراعية بذلك القدرة والاستطاعة لدي أفراد هذه الفئة .
وقد اجتهدت فبذلك غاية طاقتي وقصاري جهدي في إخراج هذا البحث علي الصورة التي أرجو أن تكون وافية بموضوعه وصورته , راجياً أن أكون قد وفقت أو قاربت , فلله الحمد والشكر سبحانه علي نعمائه .